ولد يان كارسكي عام 1914 في مدينة لوج البولندية لعائلة كوزيلوفسكي (وهو اسمه الحقيقي، علما بأن اسم "كارسكي" اسم حركي قرر فيما بعد تبنيه كاسمه الثاني). في سنة 1935 أنهى دراسته في قسم علم السكان بجامعة لفوف فتوظف في وزارة الخارجية البولندية. وبعد احتلال بولندا في سبتمر أيلول 1939 التحق بالمنظمة السرية البولندية "آرميا كاريوفا"، حيث عمل ساعيا ومبعوثا لـ"حكومة بولندا في المنفى" التي اتخذت من لندن مقرا لها أيام الحرب.
وفي 1942 صدرت تعليمات لكارسكي بالتوجه إلى لندن حاملا تقريرا مسهبا حول الأوضاع في بولندا المحتلة عامة وأوضاع يهود بولندا خاصة. ولكي تكون شهادته حية ومصداقة تسلل كارسكي مرتين داخل أكبر غيتو في بولندا، وهو غيتو وارسو. وخلال زيارتيه قابل كارسكي اثنين من قادة اليهود في الغيتو، هما مناحيم كيرشنبويم، من رؤساء الحركة الصهيونية، وليون فاينر من رؤساء حزب البوند اليهودي (الاشتراكي الميول) واللذين طلبا منه إبلاغ القادة العالميين بالحالة اليائسة لليهود البولنديين. كما تسلل كارسكي متبنيا هوية حارس لاتفي إلى أحد معسكرات الإبادة (قد يكون معسكر بلجتس) وكاد أن يلقى عليه القبض، وإجمالا خاطر بحياته غير مرة للاطلاع عن كثب على الكارثة التي حلت بيهود بولندا.
وفي نوفمبر 1942 وصل كارسكي إلى لندن في نهاية رحلة شاقة وخطرة (حيث كان عليه أن يعبر بولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا، حيث كانت في انتظاره سفينة صيد صغيرة أقلته إلى عرض البحر ليصعد على طائرة تقله بدورها إلى اسكتلندا.)
وقد أبلغ كارسكي التقرير في لندن إلى الحكومة البولندية في المنفى واجتمع بوينستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا وغيره من الساسة والصحافيين والشخصيات العامة. وكان كارسكي من أوائل من لفتوا الأنظار إلى أن النازيين ينفذون برنامجا هدفه الإبادة المنهجية لجميع من يقع تحت سيطرتهم من اليهود. وقد مثل تقرير كارسكي أساسا للدعوة التي وجهتها حكومة بولندا في كانون الأول 1942 إلى حكومات الحلفاء لاتخاذ تدابير ترغم ألمانيا على وقف إبادة اليهود.
وبعد تنفيذ مهمته غادر كارسكي لندن إلى الولايات المتحدة، حيث اجتمع بالرئيس روزفلت وسياسيين آخرين، محاولا دون نجاح يذكر إثارة الزعماء والرأي العام ضد حملة الإبادة الألمانية. وبعد انتهاء الحرب بقي كارسكي في الولايات المتحدة حيث تزوج سيدة يهودية من الناجين من الهولوكوست.
وفي عام 1982 منحت مؤسسة ياد فاشيم لقب "نصير الشعب اليهودي" لكارسكي الذي، وإن كان لم يتمكن من إنقاذ أي يهودي، إلا أن جهوده المستميتة التي بذلها مجازفا بحياته في حمل الحلفاء على العمل لإنقاذ ملايين اليهود الأوروبيين الذين كان يحدق بهم خطر الإبادة قد أهلته لنيل هذا اللقب.
وتوفي كارسكي في سنة 2000.
من نص شهادة يان كارسكي حول زيارته لغيتو وارسو
"الشوارع مكتظة، مكتظة، وكأن الجميع خارج البيوت. إنهم يتبادلون ممتلكاتهم الهزيلة. يريد كل واحد بيع ما عنده: ثلاث بصلات، بصلتان، عدة كعيكات. الجميع يبيع. الجميع يستجدي. البكاء، الجوع، الأطفال الرهيبون.. بعضهم يهرولون.. لوحدهم.. الآخرون عند أمهاتهم الجالسات.
لم تكن هي البشرية. كان نوعا من.. جحيم."
